کد مطلب:306524 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:270

الحرکة فی حصار


.. مضت الایام و السنوات تحمل فی طیاتها احزاناً و افراحاً.

.. و كبرت فاطمة و صارت صبیة تجلس قرب الوحی، تصغی لآیات اللَّه العظیمة.

كبرت و هی ما تزال تری عن كثب، كل مأساة مرت علی الاسلام والمسلمین، فتحزن نفسها.

لكنها حینما تری الام والعم و ولده یحفون بأبیها اذ یزیحون عنه همه و ذلك بمدهم القوة و النصر لهذا الدین، فتغمرها حینئذ غبطة عمیقة تختلج عروقها و یرتاح منها البال.

لكن أهل الشرك و الضلال لم یرق لهم ان یروا هذه العزة و المنعة للاسلام فجدّوا جاهدین فی محاربتهم له للنیل منه، فحاولوا ان یقوموا بتجربة اخری بعد ان فشلت سابقاتها، الا و هو الحصار الاقتصادی و الاجتماعی ضد الهاشمیین و أبی طالب.

فأما ان یرضخوا لمطالبهم فی تسلیم محمد صلی اللَّه علیه و آله و سلم لهم لیُقتل، و اما أن یموتوا جوعاً و ذلاً...

.. هكذا سیدتی دخل بنوهاشم الشعب- شعب أبی طالب- ذلك المخیم الذی یقع بین اتلال الرمال، و تستقیم فوقه شمس الافق اللاهبة.

فابتدرت اُمك سیدتی لتطبع اثر الدراهم علی تلك الرمال و القفار؛ لتقدمها للمسلمین.. و كما كانت من قبل فها هی الآن تدفع بكامل ثروتها لحفظ شوكة هذا الدین و كی لا تری خطوط حزن علی وجه البشیر، و هو ینظر كل هذه المأساة، التی وقعت علی كاهل الاسلام.

و ما كان أبوطالب، شیخ الاباطح، إلّا أن یفعل فعل خدیجة یدفع الاذی عن النبی،و حیناً آخر یمد المسلمین بما توفر له من مال حتی عرض نفسه و ولده


علی، للهلاك فی سبیل ایمانه و عقیدته الراسخة بحب اللَّه و الاسلام.

حتی نفدت اموال خدیجة و أبی طالب فاضطر من كان فی الشعب أن یقتات بورق الشجر.

و كأننی بفاطمة تلبی نداء الاطفال الجیاع، و هم یتضورون، فتهرع الیهم راكضة تسكن روعهم، و تمسح علی رؤوسهم و هی ما تزال صبیة لكنها فاطمة عضیدة ابیها مذ كانت بالمهد، و لحد هذه اللحظة فإدارتها لمثل هذه الامور تجلی حقیقتها أكثر، بأنها تتمتع بصفات كل نبی و وصی.

.. هكذا عاش الاسلام فی احرج أوقاته محارباً.. بل لقد كان المشركون یتهددون كل من یبیع المسلمین شیئاً بنهب امواله و یحذرون كل قادم الی مكة من التعامل معهم.

فاحكم الحصار حول المسلمین فلم یدعوا لهم منفذاً، یتسمدون منه عوامل البقاء.

فكان ابطح قریش المؤمن یزج بولده علی وسط مهلكة لا محالة منها حینما كان یرسله لیأتی بالطعام سراً من مكة، و لو انهم ظفروا به لم یبقوا علیه.

و اذا ادلهم اللیل و اتشح بردائه الاسود، یسارع العم النبیل فیضجع علیاً علی فراش النبی، حتی اذا اراد الكفار قتل ابن أخیه تصدی لهم بأبنه و قرة عینه.

و ما كان الابن لیمانع أو یكابح بل انه دوماً علی أهبة الاستعداد لتقبل طعنة الموت شرط أن تبقی حیاة محمد صلی اللَّه علیه و آله و سلم تحیا علی الأرض.